القاعدة و
الدولة
حقائق الأزمة
كاملة (1)
بقلم : احمد ابو
فرحة
مما لا شك فيه أن العام 2013 ميلادي
كان عاما فاصلا في تاريخ العمل الجهادي , إذ برزت الاختلافات الطبيعية المتوقعة التي
يمكن أن تحدث في أي تيار على العلن في الحركة الجهادية , مما سبب إرباكا كبيرا لدى
أنصار هذا التيار و قادته . و وصل الحد في هذه الاختلافات أن أصبح جناحان واضحان
في التيار الجهادي , كل له معالمه و أسلوبه و نهجه . و هنا سنحاول إلقاء الضوء على
أقطاب هذين النهجين داخل التيار الجهادي , القاعدة و الدولة .
أولا : تعريف كل منهما
القاعدة : هي تنظيم عالمي ممتد في كل
بقاع العالم يسعى إلى إعادة سلطان الله في الأرض , و له قيادة مركزية و قيادات
فرعية , يعتمد على التمدد اللامركزي , و هو الواجهة المعروفة للتيار السلفي
الجهادي , المبني على أصول العلم الشرعي الصافي و موروث كبير من كتب الفكر التي
خطها قيادات استثنائية و علماء فحول مثل عبد الله عزام و الشيخ أبو محمد المقدسي و
الشيخ أبو مصعب السوري و الشيخ أبو قتادة الفلسطيني و الشيخ عطية الله الليبي و
ثلة أخرى لا يتسع المقام لذكرها هنا . إذا , فالقاعدة تنظيم مبني على موروث فكري
راسخ و ليست مجرد فكرة عاطفية كما يقول البعض.
الدولة الاسلامية في العراق و الشام :
جماعة جهادية نشأت في العراق أسمت نفسها بكلمة "دولة" , اتفق عليها في
وقتها بعض من شيوخ العشائر و بعض من الجماعات الجهادية و (باركتها القاعدة) و هذه
نقطة مهمة.
ثانيا : العلاقة المركبة و المعقدة
بين القاعدة و الدولة
كما هو الحال في بقاع الأرض المختلفة
التي تشهد حالات من الصراع , ينفر الشباب الجهادي إلى تلك البقاع يقاتلون في سبيل
الله و للذود عن أعراض المسلمين , فتبارك قيادة القاعدة القيادات و التنظيمات الموجودة
في تلك البقاع . و كالعادة في أي بلد يكون الجزء الأكبر بمباركة من القاعدة هو من
المهاجرين الذين يأتون خارج البلد , و ليس هذا أمرا خاصا في بلد ما . فلولا الرافد
الشامي و الحجازي إلى العراق لما كانت "الدولة الاسلامية في العراق"
موجودة . فالذي أسس لبنة ذاك التيار هو الشهيد أبو مصعب الزرقاوي و هو ليس عراقي .
و لا ينسى دور المهاجرين من الشام إلى العراق , فلقرب الحدود , نفر كثير من الشباب
الجهادي إلى ساحة العراق .
و لنأخذ مثالا بسيطا في العراق ,
جماعة الدولة و جماعة أنصار الإسلام , و كلاهما يحملان التوجه الجهادي , بل إن أنصار
الإسلام أقدم في العمل . لكن الذي جعل الدولة الاسلامية كبيرة بهذا الحجم و بتلك القوة
هي مباركة القاعدة لها , و لا ينكر ذلك إلا مجحف !
و باسم القاعدة "إعلاميا"
كما كان يقال في الإعلام و في الحقيقة ( فرع القاعدة في العراق ) و بهذا الاسم قاتلت الدولة
الاسلامية و استقطبت خيرة الشباب الجهادي . و في نفس الوقت فان تنظيم الدولة في
العراق بايع الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله .
و مع الاختلاف الحقيقي بين نهج تنظيم
الدولة و بين نهج الشيخ أسامة الذي أرسى دعائم سياسة القاعدة الأم و هي تجميع
المسلمين و شحنهم في معركة الأمة بغض النظر عن الاختلافات , فان تنظيم الدولة ما كان له إلا أن يبايع
الشيخ أسامة . فوهج كلمة الشيخ أسامة يكسب كثيرا من الدعم و من الشعبية .
إذا فعلاقة القاعدة بالدولة , هي
كعلاقة الأم بابنتها .
جذور الاختلاف بين القاعدة و الدولة :
كما هو معروف فان الذي انشأ نواة
الدولة في العراق هو الشيخ أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله . و كان للشيخ أبي مصعب
مكانة كبيرة عند الشباب الجهاديين , فهو بكاريزميته الرائعة و حضوره القوي , كان إلهاما
للشباب . و الكل كان يعلم الخلاف الذي حدث بين الشيخ أبي مصعب و الشيخ أبي محمد
المقدسي و الذي ظهر على العلن . و هذا الخلاف كان مقبولا بين طالب علم و شيخه , كل
يرى الواقع بنظره , و حتى مع قسوة الرد من قبل الشيخ أبي مصعب للشيخ المقدسي ,
كانت شخصية و كاريزما أبي مصعب تسمح له بالتمرد على الشيوخ , فبريق كلمة "أبو
مصعب الزرقاوي" يغفر له رده على الشيوخ المعتبرين . و مع علنية الرد وقتها
بين الشيخين الزرقاوي و المقدسي , و مع شعور أبناء التيار الجهادي بالألم وقتها , إلا
انه كان مقبولا , فكما قلنا اختلاف رؤية الواقع بين النظرية و التطبيق .
و بعد رحيل الشيخ أبو مصعب الزرقاوي و
التحاقه بالرفيق الأعلى , كان لا بد من إكمال المسيرة لتنظيم الدولة . و عند
استلام الشيخ أبي عمر البغدادي رحمه الله دفة القيادة , بقيت العلاقة بين القاعدة
و الدولة علاقة طبيعية تشوبها قليل من التحفظات التي لا تظهر على العلن . للقاعدة تحفظات معينة ترسلها في السر للقيادة
و القيادة إما تأخذ بعين الاعتبار أو لا تأخذ بتلك النصائح . لكن الأبرز هنا بعد
رحيل أبي مصعب , فقد تنظيم الدولة الكاريزما القيادية التي كانت تغطي على الأخطاء
على الأرض , و شيئا فشيئا بدأ الاختلاف بالزيادة .
الحاضنة الشعبية و التشويه الإعلامي :
كما هو مسلم و بديهي , فان الغرب يخشى
من قيام إمبراطورية إسلامية حقيقية تهدد أركانه و بنيانه و ترجع للبشرية رشدها ,
فكان لا بد لوسائل الإعلام الخبيثة تشويه أي جماعة جهادية تسعى لإقامة حكم الله في
الأرض , و طبعا القاعدة هي رأس حربة الجهاد بالعالم .
و لكن اللافت للنظر أن غالبية التشويه
لصورة القاعدة أتى من باب العراق !! في حين أن تنظيم الدولة كان يستفيد من اسم
"القاعدة " لاستقطاب المجاهدين , فان القاعدة ككل و كسياسة عامة و كنهج
راسخ كانت تتلقى التشويه من هذا الباب . و لعل القاعدة سكتت عن كثير من الأفعال
كانت تقوم بها الدولة لمصلحة الإسلام , فليس كل خلاف يبرز للعلن . اتبعت القاعدة
المناصحة لتنظيم الدولة و هذا معروف للجميع , و لأجل مصلحة التيار الجهادي و عدم
شق الصف , تحملت كثيرا من أذى التشويه .
و معروف أن القاعدة تهمها القاعدة
الشعبية , فهي مشروع امة لا مشروع جماعة , و تتوائم مع الأحداث الحاصلة , و تتوائم
و مزاج الناس العام دون التنازل عن الثوابت , فرأس مال أي جماعة هي الناس و حبهم
لها , و ما طالبان بمثال صعب الفهم . إذا فالحاضنة الشعبية مسألة مهمة عند القاعدة
. و كم خسرت القاعدة من الحاضنة الشعبية العالمية بسبب بعض تصرفات تنظيم الدولة !
و لعل هنا من المهم قوله , أن كثيرا
من الشيوخ الثقات و ان لم يتوافقوا مئة بالمئة مع التيار الجهادي كحامد العلي و أبي بصير الطرطوسي و هؤلاء نموذج
فقط لكثير من الشيوخ المؤثرين , قد تم بترهم من قبل تنظيم الدولة الاسلامية لسبب
بسيط هو الاختلاف معهم . و عند الشباب الجهادي , يتم الوقوف مع القائد الذي على الأرض
إذا حدث خلاف بينه و بين الشيخ البعيد !! و عند الكثيرين فان الشيخ حامد و الشيخ أبي
بصير قد حرقت أوراقهما بسبب تنظيم الدولة و الحبل على الجرار !!
و لا نعلم أين سيؤدي السكوت عن
الانحراف عن مسار القاعدة , فربما احد الأيام سيتم حرق ورقة الشيخ أيمن نفسه إذا
لم يوافق التنظيم !!
الجولاني – نموذج فريد للشباب الجهادي
كغيره من الشباب المجاهد , الذين
تربوا على كتب أبي مصعب و المقدسي , نفر الجولاني إلى العراق مجاهدا و انخرط في
تنظيم الدولة الاسلامية و قاتل تحت رايتها . و كان له تحفظات كثيرة على بعض
التصرفات , بل على بعض السياسات . برز دور الجولاني بذكائه في العراق و احتل مركزا
مهما في التنظيم و نال ثقة القياديين هناك . و بعيدا عن سبر الأغوار و التبحر في
النفوس , أراد الشيخ أبو بكر البغدادي أن ينصر أهل الشام , فبعث الشيخ الجولاني مع
قليل من النفر و أمدهم بالعتاد و السلاح , و هذا جزء بسيط يسير من رد الجميل للشام
من قبل الشيخ البغدادي , فلن ننسى أن الرافد الشامي كان دعامة تنظيم الدولة منذ
بداية الأحداث في العراق .
و هنا الجولاني , الشاب المشبع بالفكر
, المتربي على كتب أبي مصعب و المقدسي , انتقل من حالة الجندي إلى حالة القائد , و
من حقه كقائد التعلم من أخطاء الماضي , و من حقه أن يمارس فكره الصافي الذي تعلمه
في أرضه في سوريا , و لا ننسى أن البيعة لله و لرسوله أقوى من البيعة لهذا القائد أو
ذاك . و من أول نشوء جبهة النصرة , كان الاختلاف واضحا في السياسة بينها و بين
تنظيم الدولة في العراق . فالجبهة تدخل قلوب الناس دونما استئذان بشكل فاجأ كثير
من المحللين و المراقبين , لغة القاعدة موجودة و لكن السياسة كانت مختلفة جدا عن
العراق . شيئا فشيئا و بسياسة الجولاني و من حوله , أصبحت جبهة النصرة معادلة صعبة
.
اتسع الرقع على الراقع بالنسبة للجبهة
و سياستها في الشام , فلذلك خافت قيادة تنظيم الدولة من أن يسحب البساط من تحتها ,
و من دون الخوض في التفاصيل كيف و من و ماذا , فان سياسة الجولاني المتوافقة مع
سياسة القاعدة لم تعجب الشيخ البغدادي و من حوله , فحدث ما حدث من ضم للجبهة من
قبل الشيخ البغدادي , و بعدها رفض الجولاني هذا و آثر مصلحة الأمة و مصلحة التيار
الجهادي ككل و حدث الانشقاق .
و مع خطورة البيعة للقاعدة , كانت
رسالة الجولاني واضحة : أنا و الجبهة تنظيم قاعدة و لا نخشى ذلك , و لكنه كان
يتمترس خلف الحب في قلوب الناس الذي زرعته جبهة النصرة , فالذي قدمته جبهة النصرة لأهل
الشام كان كفيلا بمسامحة الجبهة على أي فعل تقوم به .
بعد الذي قدمته القاعدة للدولة و مدها
بالشباب و استغلال اسمها في العراق ومباركتها لها دون سواها و تحمل التشويه الذي أتاها
من باب العراق , و نفور كثير من الشباب و القادة و الشيوخ حتى عن نهج القاعدة و
تحمل القاعدة لذلك , يبقى السؤالان يحتاجان إلى إجابة :
1- القاعدة و الدولة من الأصل و من
الفرع ؟
2- القاعدة و الدولة من عق من ؟
17 – كانون الثاني - 2014
أسئل الله أن يهدي الشيخ أبو بكر البغدادي
ردحذف