الجمعة، 17 يناير 2014

القاعدة و الدولة حقائق الأزمة كاملة



القاعدة و الدولة
حقائق الأزمة كاملة (1)
بقلم : احمد ابو فرحة
مما لا شك فيه أن العام 2013 ميلادي كان عاما فاصلا في تاريخ العمل الجهادي , إذ برزت الاختلافات الطبيعية المتوقعة التي يمكن أن تحدث في أي تيار على العلن في الحركة الجهادية , مما سبب إرباكا كبيرا لدى أنصار هذا التيار و قادته . و وصل الحد في هذه الاختلافات أن أصبح جناحان واضحان في التيار الجهادي , كل له معالمه و أسلوبه و نهجه . و هنا سنحاول إلقاء الضوء على أقطاب هذين النهجين داخل التيار الجهادي , القاعدة و الدولة .
أولا : تعريف كل منهما
القاعدة : هي تنظيم عالمي ممتد في كل بقاع العالم يسعى إلى إعادة سلطان الله في الأرض , و له قيادة مركزية و قيادات فرعية , يعتمد على التمدد اللامركزي , و هو الواجهة المعروفة للتيار السلفي الجهادي , المبني على أصول العلم الشرعي الصافي و موروث كبير من كتب الفكر التي خطها قيادات استثنائية و علماء فحول مثل عبد الله عزام و الشيخ أبو محمد المقدسي و الشيخ أبو مصعب السوري و الشيخ أبو قتادة الفلسطيني و الشيخ عطية الله الليبي و ثلة أخرى لا يتسع المقام لذكرها هنا . إذا , فالقاعدة تنظيم مبني على موروث فكري راسخ و ليست مجرد فكرة عاطفية كما يقول البعض.
الدولة الاسلامية في العراق و الشام : جماعة جهادية نشأت في العراق أسمت نفسها بكلمة "دولة" , اتفق عليها في وقتها بعض من شيوخ العشائر و بعض من الجماعات الجهادية و (باركتها القاعدة) و هذه نقطة مهمة.
ثانيا : العلاقة المركبة و المعقدة بين القاعدة و الدولة
كما هو الحال في بقاع الأرض المختلفة التي تشهد حالات من الصراع , ينفر الشباب الجهادي إلى تلك البقاع يقاتلون في سبيل الله و للذود عن أعراض المسلمين , فتبارك قيادة القاعدة القيادات و التنظيمات الموجودة في تلك البقاع . و كالعادة في أي بلد يكون الجزء الأكبر بمباركة من القاعدة هو من المهاجرين الذين يأتون خارج البلد , و ليس هذا أمرا خاصا في بلد ما . فلولا الرافد الشامي و الحجازي إلى العراق لما كانت "الدولة الاسلامية في العراق" موجودة . فالذي أسس لبنة ذاك التيار هو الشهيد أبو مصعب الزرقاوي و هو ليس عراقي . و لا ينسى دور المهاجرين من الشام إلى العراق , فلقرب الحدود , نفر كثير من الشباب الجهادي إلى ساحة العراق .
و لنأخذ مثالا بسيطا في العراق , جماعة الدولة و جماعة أنصار الإسلام , و كلاهما يحملان التوجه الجهادي , بل إن أنصار الإسلام أقدم في العمل . لكن الذي جعل الدولة الاسلامية كبيرة بهذا الحجم و بتلك القوة هي مباركة القاعدة لها , و لا ينكر ذلك إلا مجحف !
و باسم القاعدة "إعلاميا" كما كان يقال في الإعلام و في الحقيقة  ( فرع القاعدة في العراق ) و بهذا الاسم  قاتلت الدولة الاسلامية و استقطبت خيرة الشباب الجهادي . و في نفس الوقت فان تنظيم الدولة في العراق بايع الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله .
و مع الاختلاف الحقيقي بين نهج تنظيم الدولة و بين نهج الشيخ أسامة الذي أرسى دعائم سياسة القاعدة الأم و هي تجميع المسلمين و شحنهم في معركة الأمة بغض النظر عن الاختلافات  , فان تنظيم الدولة ما كان له إلا أن يبايع الشيخ أسامة . فوهج كلمة الشيخ أسامة يكسب كثيرا من الدعم و من الشعبية .
إذا فعلاقة القاعدة بالدولة , هي كعلاقة الأم بابنتها .
جذور الاختلاف بين القاعدة و الدولة :
كما هو معروف فان الذي انشأ نواة الدولة في العراق هو الشيخ أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله . و كان للشيخ أبي مصعب مكانة كبيرة عند الشباب الجهاديين , فهو بكاريزميته الرائعة و حضوره القوي , كان إلهاما للشباب . و الكل كان يعلم الخلاف الذي حدث بين الشيخ أبي مصعب و الشيخ أبي محمد المقدسي و الذي ظهر على العلن . و هذا الخلاف كان مقبولا بين طالب علم و شيخه , كل يرى الواقع بنظره , و حتى مع قسوة الرد من قبل الشيخ أبي مصعب للشيخ المقدسي , كانت شخصية و كاريزما أبي مصعب تسمح له بالتمرد على الشيوخ , فبريق كلمة "أبو مصعب الزرقاوي" يغفر له رده على الشيوخ المعتبرين . و مع علنية الرد وقتها بين الشيخين الزرقاوي و المقدسي , و مع شعور أبناء التيار الجهادي بالألم وقتها , إلا انه كان مقبولا , فكما قلنا اختلاف رؤية الواقع بين النظرية و التطبيق .
و بعد رحيل الشيخ أبو مصعب الزرقاوي و التحاقه بالرفيق الأعلى , كان لا بد من إكمال المسيرة لتنظيم الدولة . و عند استلام الشيخ أبي عمر البغدادي رحمه الله دفة القيادة , بقيت العلاقة بين القاعدة و الدولة علاقة طبيعية تشوبها قليل من التحفظات التي لا تظهر على العلن  . للقاعدة تحفظات معينة ترسلها في السر للقيادة و القيادة إما تأخذ بعين الاعتبار أو لا تأخذ بتلك النصائح . لكن الأبرز هنا بعد رحيل أبي مصعب , فقد تنظيم الدولة الكاريزما القيادية التي كانت تغطي على الأخطاء على الأرض , و شيئا فشيئا بدأ الاختلاف بالزيادة .
الحاضنة الشعبية و التشويه الإعلامي :
كما هو مسلم و بديهي , فان الغرب يخشى من قيام إمبراطورية إسلامية حقيقية تهدد أركانه و بنيانه و ترجع للبشرية رشدها , فكان لا بد لوسائل الإعلام الخبيثة تشويه أي جماعة جهادية تسعى لإقامة حكم الله في الأرض , و طبعا القاعدة هي رأس حربة الجهاد بالعالم .
و لكن اللافت للنظر أن غالبية التشويه لصورة القاعدة أتى من باب العراق !! في حين أن تنظيم الدولة كان يستفيد من اسم "القاعدة " لاستقطاب المجاهدين , فان القاعدة ككل و كسياسة عامة و كنهج راسخ كانت تتلقى التشويه من هذا الباب . و لعل القاعدة سكتت عن كثير من الأفعال كانت تقوم بها الدولة لمصلحة الإسلام , فليس كل خلاف يبرز للعلن . اتبعت القاعدة المناصحة لتنظيم الدولة و هذا معروف للجميع , و لأجل مصلحة التيار الجهادي و عدم شق الصف , تحملت كثيرا من أذى التشويه .
و معروف أن القاعدة تهمها القاعدة الشعبية , فهي مشروع امة لا مشروع جماعة , و تتوائم مع الأحداث الحاصلة , و تتوائم و مزاج الناس العام دون التنازل عن الثوابت , فرأس مال أي جماعة هي الناس و حبهم لها , و ما طالبان بمثال صعب الفهم . إذا فالحاضنة الشعبية مسألة مهمة عند القاعدة . و كم خسرت القاعدة من الحاضنة الشعبية العالمية بسبب بعض تصرفات تنظيم الدولة !
و لعل هنا من المهم قوله , أن كثيرا من الشيوخ الثقات و ان لم يتوافقوا مئة بالمئة مع التيار الجهادي  كحامد العلي و أبي بصير الطرطوسي و هؤلاء نموذج فقط لكثير من الشيوخ المؤثرين , قد تم بترهم من قبل تنظيم الدولة الاسلامية لسبب بسيط هو الاختلاف معهم . و عند الشباب الجهادي , يتم الوقوف مع القائد الذي على الأرض إذا حدث خلاف بينه و بين الشيخ البعيد !! و عند الكثيرين فان الشيخ حامد و الشيخ أبي بصير قد حرقت أوراقهما بسبب تنظيم الدولة و الحبل على الجرار !!
و لا نعلم أين سيؤدي السكوت عن الانحراف عن مسار القاعدة , فربما احد الأيام سيتم حرق ورقة الشيخ أيمن نفسه إذا لم يوافق التنظيم !!
الجولاني – نموذج فريد للشباب الجهادي
كغيره من الشباب المجاهد , الذين تربوا على كتب أبي مصعب و المقدسي , نفر الجولاني إلى العراق مجاهدا و انخرط في تنظيم الدولة الاسلامية و قاتل تحت رايتها . و كان له تحفظات كثيرة على بعض التصرفات , بل على بعض السياسات . برز دور الجولاني بذكائه في العراق و احتل مركزا مهما في التنظيم و نال ثقة القياديين هناك . و بعيدا عن سبر الأغوار و التبحر في النفوس , أراد الشيخ أبو بكر البغدادي أن ينصر أهل الشام , فبعث الشيخ الجولاني مع قليل من النفر و أمدهم بالعتاد و السلاح , و هذا جزء بسيط يسير من رد الجميل للشام من قبل الشيخ البغدادي , فلن ننسى أن الرافد الشامي كان دعامة تنظيم الدولة منذ بداية الأحداث في العراق .
و هنا الجولاني , الشاب المشبع بالفكر , المتربي على كتب أبي مصعب و المقدسي , انتقل من حالة الجندي إلى حالة القائد , و من حقه كقائد التعلم من أخطاء الماضي , و من حقه أن يمارس فكره الصافي الذي تعلمه في أرضه في سوريا , و لا ننسى أن البيعة لله و لرسوله أقوى من البيعة لهذا القائد أو ذاك . و من أول نشوء جبهة النصرة , كان الاختلاف واضحا في السياسة بينها و بين تنظيم الدولة في العراق . فالجبهة تدخل قلوب الناس دونما استئذان بشكل فاجأ كثير من المحللين و المراقبين , لغة القاعدة موجودة و لكن السياسة كانت مختلفة جدا عن العراق . شيئا فشيئا و بسياسة الجولاني و من حوله , أصبحت جبهة النصرة معادلة صعبة .
اتسع الرقع على الراقع بالنسبة للجبهة و سياستها في الشام , فلذلك خافت قيادة تنظيم الدولة من أن يسحب البساط من تحتها , و من دون الخوض في التفاصيل كيف و من و ماذا , فان سياسة الجولاني المتوافقة مع سياسة القاعدة لم تعجب الشيخ البغدادي و من حوله , فحدث ما حدث من ضم للجبهة من قبل الشيخ البغدادي , و بعدها رفض الجولاني هذا و آثر مصلحة الأمة و مصلحة التيار الجهادي ككل و حدث الانشقاق .
و مع خطورة البيعة للقاعدة , كانت رسالة الجولاني واضحة : أنا و الجبهة تنظيم قاعدة و لا نخشى ذلك , و لكنه كان يتمترس خلف الحب في قلوب الناس الذي زرعته جبهة النصرة , فالذي قدمته جبهة النصرة لأهل الشام كان كفيلا بمسامحة الجبهة على أي فعل تقوم به .
بعد الذي قدمته القاعدة للدولة و مدها بالشباب و استغلال اسمها في العراق ومباركتها لها دون سواها و تحمل التشويه الذي أتاها من باب العراق , و نفور كثير من الشباب و القادة و الشيوخ حتى عن نهج القاعدة و تحمل القاعدة لذلك , يبقى السؤالان يحتاجان إلى إجابة :
1- القاعدة و الدولة من الأصل و من الفرع ؟
2- القاعدة و الدولة من عق من ؟
17 – كانون الثاني - 2014


هناك تعليق واحد:

  1. أسئل الله أن يهدي الشيخ أبو بكر البغدادي

    ردحذف